أولاد بـريــــــــش


أكبَـر تجمُّع لأولاد بـرِّيشْ على النـَّت، هنـا نجتمع لنبدع و ندوِّن إبداعاتنا، مشاركتك تزيدنا حماسا لنرقى بمنتدانا...
مرحبا بك بيننا لنقدم لـ " بريش" معًا أجمل صورة بأقلام مثقـفي بـريش..
لا تتردد في التسـجيل لتحجز لك مكانا بين خيرة أبناء بـريشْ..

فيـصل بن غالم/بلجيكا.
أولاد بـريــــــــش


أكبَـر تجمُّع لأولاد بـرِّيشْ على النـَّت، هنـا نجتمع لنبدع و ندوِّن إبداعاتنا، مشاركتك تزيدنا حماسا لنرقى بمنتدانا...
مرحبا بك بيننا لنقدم لـ " بريش" معًا أجمل صورة بأقلام مثقـفي بـريش..
لا تتردد في التسـجيل لتحجز لك مكانا بين خيرة أبناء بـريشْ..

فيـصل بن غالم/بلجيكا.
أولاد بـريــــــــش
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى يجمع أبناء بريش و يستقبل إبداعاتهم
 
الرئيسيةبوابة المنتدىأحدث الصورالتسجيلدخولالتسجيل

 


 

 أنا وأنت

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ramzi.naili
شخصية أولاد بريش
شخصية أولاد بريش
ramzi.naili


عدد المساهمات : 254
نقاط : 6093
الســــــمعة : 23
تاريخ التسجيل : 18/02/2009
العمر : 36

أنا وأنت Empty
مُساهمةموضوع: أنا وأنت   أنا وأنت I_icon_minitimeالثلاثاء مايو 25, 2010 7:33 am



أنا وأنت





[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]








عالم الإنسان مزدوج، وهذا يتَّفق مع موقفه
الثنائي.




موقف الإنسان ثنائي، وهذا يتَّفق مع
الطبيعة المزدوجة للكلمات الأساسية التي ينطق
بها.




ليست الكلمات الأساسية منعزلة، إنما هي
كلمات مركَّبة.




الكلمة الأساسية الأولى مزجت بين أنا–أنت.




والكلمة الأساسية الأخرى مزجت بين أنا–هو.
مشيرين إلى أنه يمكن، من دون أي
تغيير في الكلمة الأولى، استبدال هو بـ هي.




لذا كانت أنا الإنسان مزدوجة.




لذا كانت أنا في الكلمة الأساسية أنا–أنت،
مختلفة عن أنا في
الكلمة الأساسية أنا–هو.




***




لا تعني الكلمات الأساسية أشياءً، إنما هي
توحي بعلاقات.




لا تصف الكلمات الأساسية شيئًا بوسعه أن
يكون موجودًا بشكل مستقل عنها. لكن، حين
يتم النطق بها، فإنها تقدِّم الوجود.




تنطق الكلمات الأساسية بلسان الكائن.




إن قلت أنت، فإن أنا
الممزوجة بها، من خلال أنا–أنت، تقال
معها.




إن قلت هو، فإن أنا الممزوجة
بها، من خلال أنا–هو، تقال معها.




فقط مع الكائن الكلِّي يتم النطق بالكلمة
الأساسية أنا–أنت.




أمَّا الكلمة الأساسية أنا–هو فلا
يمكن إطلاقًا النطق بها مع الكائن
الكلِّي.




***




لا توجد أنا مستقلة بذاتها، إنما
هناك فقط تلك المعبر عنها في الكلمة
الأساسية أنا–أنت وفي الكلمة الأساسية أنا–هو.




لذلك حين يقول الإنسان أنا فإنه
يشير إلى هذه أو إلى تلك. وأنا التي
يشير إليها حاضرة حين ينطق بها.




كذلك حين يقول أنت أو هو،
فإن أنا إحدى هتين الكلمتين
الأساسيتين متضَمَّن.




فوجود أنا والنطق به واحد. إنه نفس
الشيء.




حين يجري النطق بكلمة أساسية، فإن الناطق
يدخل الكلمة ويتخذ موقعه فيها.




***




لا تنقضي حياة البشر ضمن إطار أفعال متعدية
فقط. فهي لا تتم فقط عن طريق نشاطات
تبغي الحصول على شيء.




أنا أدرك شيئًا. أنا ألمس شيئًا. أنا أتخيل
شيئًا. أنا أريد شيئًا. أنا أشعر بشيء.
أنا أتفكر بشيء. لأن حياة الإنسان ليست فقط كل هذه الأشياء أو ما يشابهها.




فهذه وما يشابهها موجودة في عالم الـهو.




أما عالم الـأنت فله قانون آخر.




حين يقول أنت، لا يشير المتكلم إلى
شيء محدد. لأنه حين يوجد الشيء، يوجد ما
يقابله. فكلُّ هو يحدُّه الآخرون؛ إنه موجود لأنه محدد من قبل
الآخرين. لكن
حين يقول أنت، ليس هناك شيء. لأن أنت ليست محدودة.




حين يقول أنت، لا يشير المتكلم إلى
شيء؛ لأنه فعلاً لا يملك شيئًا. إنما هو
يحدد موقعه في قلب علاقة.




***




يقولون إن الإنسان يختبر هذا العالم. فما
المقصود بذلك؟




يطوف الإنسان على سطح الأشياء فيجرِّبها،
ويستخلص منها معرفة تركيبها: يكتسب منها
خبرة. إنه يجرِّب ما تمتلكه الأشياء.




لكن العالم لا يقدَّم إلى الإنسان من خلال
التجربة فقط. فالتجربة تقدِّم للإنسان
عالمًا مؤلفًا من هو وهي فقط.




أنا أجرِّب شيئًا. – إن إضافة "ظاهر"
التجارب إلى "باطنها" لا يغير من الواقع
شيئًا. فنحن بهذا نتابع فقط التقسيمات النابعة من رغبة الجنس البشري في
اكتشاف سرِّ
الموت. وأشياء الظاهر وأشياء الباطن ما هي إلا أشياء وأشياء.




أنا أجرِّب شيئًا. – إن إضافة "سرِّي"
التجارب إلى "ظاهرها" لا يغير من الواقع
شيئًا.




كم واثقة من نفسها تلك الحكمة التي تتخيل،
في قلب الأشياء، حجرةً مغلقةً مخصصةًَ
للعارفين ولا تفتح إلا بمفتاح. يا أيتها السرَّانية التي لا سرَّ فيها! يا
أيتها
المعارف المتراكمة! إنها هو، دائمًا هو!




***




لا يملك الإنسان المجرِّب شيئًا في العالم.
لأن تجربته تتم بينه و"بين ذاته" وليس
بينه وبين العالم.




فالعالم ليس جزءًا من التجربة. إنه يسمح
بأن يجرَّب، ولكن لا علاقة له بالتجربة.
إنه لا يفعل شيئًا للتجربة، وكذلك لا تفعل التجربة شيئًا له.




***




كتجربة، ينتمي العالم إلى الكلمة الأساسية أنا–هو.




أما فيما يتعلق بالكلمة الأساسية أنا–أنت
فإن العالم يتحول إلى علاقة.




***




ثلاثة هي المجالات التي يترعرع فيها عالم
العلاقات:




الأول هو حياتنا في قلب الطبيعة. هنا تترنح
العلاقة كئيبةً أخفض من مستوى الكلام.
فالكائنات تعيش وتتحرك ضدنا وليس بوسعها أن تأتي إلينا. وحين نتوجه إليها
يبدو وكأن
كلماتنا تتشبث بعتبة الكلام.




الثاني هو الحياة مع البشر. هنا تتفتح
العلاقة وتتخذ شكل الكلام. هنا بوسعنا تقديم
الـأنت وقبوله.




والثالث هو الحياة مع الأشكال الجليَّة.
هنا تحتجب العلاقة خلف سحابة، ولكنها تفصح
عن نفسها؛ إنها لا تستخدم الكلام، إنما تولده. نحن هنا لا نتلمَّس الـأنت

ولكننا نشعر بتوجهها إلينا


فحسب
مشكلين، مفكرين وفاعلين. ننطق بالكلمة الأساسية
مع ذاتنا، رغم أنه ليس بوسعنا لفظ الأنت بشفاهنا.




ولكن بأي حقٍّ ترانا نستخلص ما يتجاوز
الكلام الذي له علاقة بعالم الكلمة الأساسية؟




في كل مجال وكلٌّ على طريقته، ومن خلال كل
عملية تحول نختبرها، نتطلع إلى حافة
أنت
الخالدة؛ ونتلمس نسمتها؛ وفي كلِّ أنت نتوجه إلى الأنت
الخالدة
.




***




أنا أتأمل شجرة.




بوسعي النظر إليها كلوحة: كعمود ثابت يتأثر
بالضوء الشديد، أو كدفق لطخة خضراء
تترافق مع الألوان الزرقاء والفضِّية المرهفة لخلفيتها.




وأستطيع تلمُّسها كحركة: كأوردة متدفقة حين
تتشبث،


كعصر لباب، أو
كامتصاص جذور، أو كتنفُّس أوراق، كتواصل
مستمر مع الأرض ومع الهواء – كنموٍّ حاجب لذاته.




وأستطيع أن أصنِّفها وأن أدرسها كنوع من
حيث التركيبة وطريقة الحياة.




وأستطيع بصرامة كبح وجودها الحالي وشكلها،
بحيث لا يكون بوسعي رؤيتها إلا كتعبير عن
قانون – تلك القوانين التي يتم بموجبها، وبشكل مستمر، التوفيق بين مجموعة
قوىً
متعارضة. أو تلك التي بموجبها تختلط مكونات المواد وتفترق.




كما أستطيع تبديدها وإبقائها، من حيث
التعداد، كعلاقة رقمية صرفة.




وفي كل ما سبق، تبقى الشجرة هي موضوعي، في
الزمان وفي المكان. تلك التي لها طبيعتها
ولها


تركيبتها.




بوسعي، على أية حال، تغيير المنحى، إن كنتُ
أملك الإرادة والنعمة التي تجعلني، حين
أتأمل الشجرة، أصبح مرتبطًا بها وعلى علاقة معها. عندئذٍ، لا تعود الشجرة
مجرَّد
هو
. إنما يصبح بإمكانها التفرُّد.




هنا ليس من الضروري أن أتخلى عن أية طريقة
من بين تلك التي أتأمل فيها الشجرة. حيث
لا يوجد شيء عليَّ غض الطرف عنه كي أرى، ولا أية معرفة عليَّ أن أنساها.
فكل شيء
يبقى صورة وحركة، كصنف وكنوع، كقانون وكرقم، كل شيء يبقى من خلال الحدث
مترابطًا
بشكل لا ينفصم.




فكل ما ينتمي إلى الشجرة متضمن في شكلها
وفي بنيانها، في ألوانها وفي تركيبتها
الكيميائية، في تفاعلها مع العناصر ومع النجوم، لأن هذه كلُّها متواجدة في
كلٍّ
واحد.




ليست الشجرة انطباعًا ولا هي لعبة من
ألاعيب خيالي، كما أنها ليست قيمة ذات علاقة
بمزاجي؛ إنما هي تتجسد قبالي وتتفاعل معي، كما أتفاعل أنا معها – ولكن بشكل
مختلف.




لذلك علينا أن لا نفكر بفصل تلك القوة عن
معنى العلاقة: فالعلاقة متبادلة.



هل
سيكون للشجرة وعي شبيه بوعينا؟ لا خبرة لي بهذا. ولكن إن شئتَ، من خلال ما
قد يبدو
وكأنه إنجاح الأمر بنفسك، أن تفكك مرة أخرى ما ليس بالإمكان تفكيكه، فليكن!
أما أنا
فإني لم ألتق لا بروح ولا بجنِّية الشجرة، إنما فقط بالشجرة ذاتها.




***




إن


واجهتُ
إنسانًا وكأنه أنت الذي تخصني، وتوجهتُ
إليه بالكلمة الأساسية أنا–أنت، فإنه لا يبقى مجرد شيءٍ من جملة
أشياء، شيءٍ
مؤلف من أشياء.




لأن هذا الكائن البشري ليس مجرد هو أو هي،
ذلك الشيء المحدود بأيِّ هو وبأيَّة هي،
نقطة من شبكة عالم محدد في الزمان وفي المكان؛ كما أنه ليس ذا طبيعة بوسعك
اختبارها
وتصنيفها. ربطة فضفاضة ذات صفات معينة. إنما هو بلا


جيرة، وكلِّي
بحدِّ ذاته. إنه أنت الذي يملأ
السماء، لكن هذا لا يعني أن لا شيء موجود إلا هو. إنما يعني أن كل شيء يحيا
بنوره.




فكما لا يتألف اللحن من النوتات ولا
الأبيات من الكلمات ولا التمثال من الخطوط،
إنما يجب أن تلقَّن وتجرَّ كلها بحيث تتبعثر وحدتها في قلب هذه القطع
العديدة، كذلك
الأمر بالنسبة للإنسان حين يقول أنت. حيث بوسعي استخراج لون شعره،
أو خطابه،
أو صلاحه. وعليَّ فعل هذا باستمرار. لكن بمقدار ما أفعل، بمقدار ما يكفُّ
عن كونه
أنت.




وكما أن الصلاة ليست في التوقيت إنما
التوقيت في الصلاة، كذلك ليست التضحية في
الصلاة إنما الصلاة في التضحية، وكما أن قلب العلاقة يعني إلغاء الواقع،
كذلك الأمر
بالنسبة للإنسان الذي أخاطبه بـأنت. فإنا لا ألتقي به في زمان آخر
أو في
مكان آخر. لأنه بوسعي تعيينه في زمان محدد وفي مكان محدد؛ وعليَّ فعل هذا
باستمرار:
لكني بهذا أكون قد عنيت هو أو هي فقط، ويكفُّ بالنسبة لي عن
كونه
أنت
.




لأنه طالما كانت جنَّة أنت منتشرة
فوقي، فإن رياح السببية تنكمش عند كعبي،
وتبقى دوامة القدر في مجراها.




فأنا لا أجرِّب الإنسان الذي أخاطبه بـأنت.
إنما أحدد مكاني بالنسبة له.
وهذا المكان أحدده في قلب قداسة الكلمة الأساسية. فقط حين أخطو خطوة
مبتعدًا تراني
أجرب الهو مرة أخرى. ومع التجربة تبتعد الـأنت.




وحتى إن لم يكن الإنسان الذي أخاطبه بـأنت
واعٍ لذلك وسط معمعان تجربته، فإن
العلاقة يمكن أن تحصل. لأن ما تحققه الـأنت يتجاوز الـهو.
هنا لا
يوجد خداع؛ لأنه مهد الحياة الحقيقية.




***




إنه ينبوع الفنِّ الخالد: حين يجابه المرء
شكلاً ويريد تحويله إلى عمل. حيث لا يكون
هذا الشكل نتاج روحه، إنما يصعِّدها ويتطلب منها قوة فعلية. لأن الإنسان
معني بفعل
ينبع عن كيانه. فإن أنجزه من خلاله، إن نطق بالكلمة الأساسية من كيانه تجاه
ذاك
الشكل المتجلِّي، عندئذٍ تتدفق القوة الفعلية ويتم العمل.




يتطلب الفعل تضحيةً ويتطلب مخاطرةً. تلك هي
التضحية: هذه الإمكانية اللامتناهية
التي يجري تقديمها على مذبح الشكل. حيث يصبح من الواجب طمس كل ما كان حتى
اللحظة
لعبًا ومرَّ بسرعة؛ لا شيء من هذا يفترض أن يتضمنه العمل. فخصوصية ما
يواجهه تتطلب
ذلك. وتلك هي المخاطرة: حيث لا يمكن النطق بالكلمة الأساسية إلا مع الكائن
الكلِّي.
ومن يقدِّم لها نفسه لا يستطيع أن يحجب منها شيئًا. لأن العمل لا يعانيني،
كما تفعل
الشجرة أو كما يفعل الإنسان، فيتنحى جانبًا ويسترخي في عالم الـهو،
إنما هو
يأمر. لذلك إن لم أخدمه بشكل جيد يتحطم، أو يحطمني.




ليس بإمكاني أن أجرِّب ولا أن أصف الشكل
الذي يواجهني، إنما فقط مظهره، لأنه ملك
لنفسه. ورغم هذا، ها أنا ذا هو، رائع وسط الإشعاع الذي أواجه. وأكثر وضوحًا
من كل
وضوح العالم الذي أجرب. فإنا لا أملكه كأحد الأشياء "الداخلية"، ولا كصورة
لـ"نزواتي"، إنما كشيء متواجد في الحاضر. إن جربت موضوعيته فإن الشكل ليس
"هناك"
حتمًا. ومع ذلك، ما هذا الشيء الكثير الحضور الذي يبدو هو؟ والذي أصبحت
علاقتي به
فعلية، لأنه يؤثر فيَّ، كما أؤثر أنا فيه.




أن تنتج يعني أن تستخلص وهلم جرا، أن تخترع
يعني أن تجد، وأن تجسِّد يعني أن تكتشف.
وهلم جرا. حين أعطي شكلاً فإني أكتشف. أقود الشكل، من خلاله، إلى عالم الـهو.

والعمل الذي أنتجه هو شيء من بين أشياء من الممكن تجربته ووصفه كمجموعة
صفات. ولكن
من حين لآخر، بوسعه أن يواجه ناظره الحسِّي بكامل شكله المجسَّم.




***




- ما الذي نجرِّبه من أنت إذن؟




- مجرد لا شيء. لأننا لا نجرِّبه.




- ما الذي نعرفه عن أنت إذن.




- فقط كل شيء. لأننا منذ الآن لا نعرف
شيئًا منفصلاً عنه.




***




تأتني الـأنت
من خلال النعمة – لأنه لا يمكن اكتشافها عن طريق البحث. لكن نطقي بالكلمة
الأساسية
فعل من كياني. إنه، فعلاً، فعلٌ كياني.




تلقاني الـأنت. وأنا أخطو في اتجاه
علاقة مباشرة معها. فالعلاقة تعني أن
أُختار وأن أَختار، بالفعل وبالعذاب معًا؛ وكأي فعل يقوم الكائن الكلِّي
به، يصبح
المعنى تعليقًا لكلِّ الأفعال الجزئية، ويصبح كل شعور بأفعال ترتكز فقط على

محدوديتها الخاصة، شبيهًا بالمعاناة حتمًا.




لا يمكن النطق بالكلمة الأساسية أنا–أنت
إلا مع الكائن الكلِّي. والتركيز
والاندماج بالكائن الكلِّي لا يمكن أن يتحقق عن طريقي. كما لا يمكن أن
يتحقق من
دوني. أنا أتحقق من خلال علاقتي بـالأنت؛ وبمقدار ما أتحقق أنا،
أقول
أنت.




لأن كل حياةٍ حقيقيةٍ لقاء.




***




العلاقة بـالأنت مباشرة. فهي ليست
منظومةً فكريةً، ولا معرفةً، ولا نزوةً
تقف حائلاً بين أنا وأنت. نفسها الذاكرة حين تخرج من عزلتها
تتحول
وتغوص في قلب وحدة الكلي. لا غاية، ولا رغبة، ولا حدس يتدخل بين أنا
وبين
أنت
. حتى الرغبة تتحول حين تغوص في المظاهر فتخرج من حلمها. كل معنى
يصبح عائق.
لذلك فقط حين يتلاشى كل معنى يحدث اللقاء.




***




مقابل صراحة العلاقة يفقد كل ما ليس صريحًا
أهمِّيته. ويفقد أيضًا أهمِّيته حين
تتحول أنت، التي تخصني فعلاً، إلى هو لأنا أخرى ("موضوع
تجربة
عامة")، أو حين يصبح بالإمكان أن تتحول إلى ذلك من خلال الإنجاز الفعلي
لذلك الفعل
في ذاتي. في الحقيقة، ورغم أنه من المؤكد أنها تتمايل وتتأرجح، فإن حدودها
لا تنزلق
بين التجربة وعدم التجربة، ولا بين العطاء وعدم العطاء، ولا بين عالم الذات
وعالم
القيم؛ إنما ساخرةً غير مبالية في قلب كل تلك الميادين تراها تكمن ما بين أنت

وهو، بين الحاضر وبين الموجود.




***




الحاضر، ونحن بهذا لا نعني فقط تلك النقطة
التي تحدد الانتقال الذهني، من زمن إلى
آخر، بمعنى ختام للزمن "المنتهي". أو مجرَّد شكل نهاية تعقد وتثبَّت. إنما
نعني
الحاضر الحقيقي الحالي والمليء، الموجود حتى الآن كحاضرية فعلية، كلقاء،
وكعلاقة.
فالحاضر يظهر فقط من خلال واقع أن الأنت قد أصبحت حاضرة.




لذلك فإن أنا الكلمة الأساسية أنا–هو،
والتي هي، تلك الـأنا
التي لا أنت فيها، إنما تلك المحاطة بوفرة من "المضامين"، لا حاضر
لها، إنما
هي ماض فقط. لنضع الأمر بطريقة أخرى، بمقدار ما يبقى الإنسان راضيًا
بالأشياء التي
يجرِّبها ويستعملها، فإنه يعيش في الماضي، وليس للحظته مضمون حاضر. إنه لا
يملك إلا
أشياء. والأشياء تستمر في الزمن الذي كان.




ليس الحاضر طريدًا ولا عابرًا، إنما هو
حاضر وثابت باستمرار. ليس للشيء أمد، بل
انقطاع، وإرجاء، وقطع واضح وتصلُّب، وانعدام للعلاقة مع الكائن الحاضر.




تعيش الكائنات الحقيقية في الحاضر. أما
حياة الأشياء ففي الماضي.




***




لن تخلصنا الدعوة إلى "عالم من الأفكار"،
كعامل ثالث يتجاوز ذلك التعارض، من طبيعته
الثنائية الأساسية. لأني أتحدث فقط عن الإنسان الحقيقي، عنك وعني، عن
حياتنا وعن
عالمنا – وليس عن أنا، أو عن حالة الوجود المنفردة بذاتها. فالحدود
الفعلية
للإنسان الحقيقي تتقاطع أيضًا مع عالم الأفكار.




للتأكد، غالبًا ما تجد أن الإنسان الراضي
عن تجربته والمستخدم لعالم الأشياء قد شيد
أو عبَّر عن نفسه بواسطة بنيان من الأفكار التي يجد فيها الملاذ فأراحته من
تبعات
العدم. لذلك يضع على العتبة جانبًا ثوبه اليومي غير المناسب، ويدثِّر نفسه
بالكتان
النقي، ويستمتع بمشهد الكائن البدئي، أو الكائن الضروري؛ لكن حياته لا
تشترك في هذا
الأمر. رغم أن الإعلان عنه يمكن حتى أن يملأه سعادة.




إن بشرية هو المجرَّدة التي
يتخيلها، ويفترضها، ويدعو إليها هكذا إنسان لا
علاقة لها بالبشرية الحيَّة التي يمكن فيها التكلُّم بصدق عن أنت.
حيث يبقى
الصنم هو التخيل الأنبل، وتفسد أسمى المشاعر الوهمية. ولا تبقى الأفكار
تتوج رؤوسنا
أو تسكنها؛ إنما تطوف بيننا وتفاتحنا. فالإنسان الذي لا ينطق بالكلمة
الأساسية
يستحق الشفقة؛ والإنسان الذي يتوجه بهذه الأفكار مجردة أو ككلمة سر، وكأنه
الناطق
باسمها، إنسان حقير.




***




واضح من إحدى الأمثلة الثلاث أن العلاقة
المباشرة تتضمن أثرًا له علاقة بما
يواجهني. في الفن يحدد فعل الكائن الوضع الذي يتحول فيه الشكل إلى فعل. ومن
خلال
التلاقي، يتحقق ما يواجهني، فيدخل عالم الأشياء حيث يصبح نشطًا إلى ما لا
نهاية،
فيتحول بشكل مستمر إلى هو، وأيضًا بشكل مستمر إلى أنت، ملهمة
ومقدسة.
"متجسد" هو؛ أما جسمه فينبثق من دفق اللامحدود، ذلك الحاضر الخالد لشاطىء
الوجود.



ليس
مغزى الأثر بهذا الوضوح حين يتعلَّق الأمر بـالأنت التي ينطقها
البشر. ففعل
الكائن الذي يؤمِّن المباشرة في هذه الحالة غالبًا ما يساء فهمه وكأنه ناجم
عن
الشعور. والمشاعر تترافق مع حقيقة الحب الميتافيزيقية وفوق الروحية، ولكنها
لا
تشكِّلها. لأن المشاعر المترافقة يمكن أن تكون متعددة الأنواع. فمشاعر يسوع
تجاه
المتلبس بمسٍ من الشيطان تختلف عن مشاعره تجاه تلميذه الحبيب؛ ولكن الحبَّ
واحد.
المشاعر "تستضاف": أما الحب فيأتي ويعبر. المشاعر تقيم في الإنسان؛ لكن
الإنسان
يُقيم في حبه. وهذا ليس مجازًا إنما حقيقة قائمة. الحبُّ لا يتشبث بـأنا

تحوِّل الـأنت إلى مضمونها وموضوعها فقط؛ لكن الحبَّ يقع بين أنا
وأنت.
والإنسان الذي لا يعرف هذا بكل كيانه لا يعرف الحب؛ وإن كان يعزو إليه
المشاعر التي
يعيشها من خلال التجارب والمتع وما يعبِّر عن ذلك. فأثر ميادين الحب يشمل
العالم
بأسره. من منظور من يتخذ موقفه في الحبِّ، فيثرثر للخروج منه، ينقطع البشر
بحرِّية
عن تعقيداتهم الناجمة عن نشاطهم الصاخب. ويصبح الناس، الطيب منهم والشرير،
الحكيم
منهم والمجنون، الجميل منهم والقبيح، حقيقيين بالنسبة له؛ بمعنى أنهم، وقد
تحرروا
في وحدانيتهم، أصبحوا يواجهونه كـأنت. وبطريقة رائعة، من حين لآخر،
ينبثق
التفرُّد – وهكذا يصبح بوسعه أن يكون حقيقيًا، مساعدًا، شافيًا، مثقفًا،
مصعِّدًا
ومنقذًا. لأن الحب هو مسؤولية أنا تجاه أنت. من هذا المنظور
يصبح
الشبه – فيما يتعلق بأية مشاعر مهما كانت – مستحيلاً بالنسبة لكل من أحب،
من الأصغر
إلى الأكبر، ومن المحمي لحسن حظه إلى ذلك الذي أمضى كلَّ حياته مسمَّرًا
على صليب
العالم، ذلك الذي غامر فأوصل نفسه إلى تلك النقطة المروعة – أن يحبَّ كلَّ
البشر.




لتكن دلالة الأثر في المثال الثالث، دلالة
المخلوق وتأملنا إياه، مغرقةً في السرِّ.
فليكن الإيمان بالسحر البسيط للحياة، وبخدمة الكون، وبمعنى ذلك الانتظار،
تلك
اليقظة التي تجعل الكائنات ترفع رقابها، نورًا لكم. ولتتشوه كلُّ كلمة؛ لكن
انظر!
إن كل ما يجول من حولك هي كائنات تعيش حياتها، وحيثما إلتفت التقيت
بالكائن.




*




العلاقة متبادلة. أناي
[1]
يؤثر بي كما أؤثر أنا به. تلاميذنا يقولبوننا وأفعالنا تصنعنا. ويتحول
الإنسان
"السيء" الذي مسته الكلمة الأساسية المقدسة برفق إلى


موحىً إليه. كيف نتعلَّم من الأطفال ومن
الحيوانات! بأن
نعيش حياتنا بغموض في قلب دفق الحياة الكونية المشتركة.




***




- أنت تتحدث عن الحبِّ وكأنه العلاقة
الوحيدة بين البشر. ولكن إن صح الكلام، هل
بوسعك الحديث عنه كمثال فقط، كمثال يواجه شيئًا اسمه الكراهية؟




- طالما أن الحبَّ "أعمى" فإن هذا يعني أن
ليس بوسعه رؤية الكائن بكليته، بمعنى أنه
غير متأثر بالكلمة الأساسية للعلاقة. الكراهية عمياء بطبيعتها. لأنه فقط
بعض من
الكائن يمكن كرهه. من يستطيع أن يرى الكائن بكليته، ويجد نفسه مضطرًا
لرفضه، لا
يبقى ينتمي إلى مملكة الحقد؛ إنما يصبح في مملكة المحظور الإنساني الذي
يمنعه من
النطق بـأنت. فيجد نفسه غير قادر على النطق بالـأنت للإنسان
الآخر
الذي يواجهه. لأن هذه الكلمة تفترض دائمًا تأكيدًا للآخر الذي نتوجه إليه.
ما يعني
أنه يجد نفسه مضطرًا لرفض الآخر أو لرفض نفسه. أمام هذا الحاجز تراه يقر
الدخول في
علاقة مع نسبيته، ومترافقًا مع هذا الواقع يقام الجدار.




لكن، يبقى أن الإنسان الذي يكره صراحةً
أقرب إلى العلاقة من ذاك الذي لا يحبُّ ولا
يكره.




***




وهنا يكمن المحزن المتعالي لقدرنا، أن
تتحول كل أنت في عالمنا إلى هو.
هنا لا يهم كم كانت الـأنت حاضرة حصرًا في العلاقة المباشرة. فحالما
توضع
العلاقة أو تتخلخل مع المعنى، تصبح الـأنت شيئًا من بين جملة أشياء –
ربما
الشيء الرئيس، إنما تبقى واحدةً منها، ومثبَّتة من حيث الحجم والحدود.
فالعمل الفني
هو إنجاز من جهة وانقطاع عن الواقع من جهة أخرى. ينتهي التأمل الحقيقي بعد
فترةٍ
وجيزة؛ ويصبح من الممكن الآن من جديد وصف وتجزئة وتصنيف الحياة الطبيعية
التي أغلقت
نفسها أمامي في قلب سرِّ الفعل المشترك – كنقطة تلاق للنظام المتشعب
للقوانين. لا
يمكن للحب نفسه أن يستمر في العلاقة المباشرة. ولكنه يصمد عن طريق التبادل
مع
الكائن الفعلي والمحتمل. ويصبح الكائن الإنساني، الذي كان حتى الآن واحدًا
وغير
مشروط، وليس شيئًا كاذبًا من جهة؛ متواجدًا فقط، لا


يجرَّب، إنما
يتم الوفاء به، ويصبح هو، أو هي،
من جديد مجموعة صفات، أو
كمٍّ معين ذا
شكل محدد.
بحيث أستطيع الآن أن أستخلص منه مجددًا شكل شعره أو خطابه أو صلاحه. لكن
بمقدار ما
بوسعي فعل هذا فإنه لا يبقى تلك الـأنت التي تخصُّني.




من نصيب كل أنت في هذا العالم،
وانطلاقًا من طبيعتها، أن تتحول إلى شيء أو
أن تعود باستمرار إلى حالة الأشياء. وكخطاب مجرد بوسعنا القول إن بوسع كل
شيء في
هذا العالم، سواء قبل أو بعد أن يتحول إلى شيء، أن يبدو للـأنا كالـأنت

التي تخصُّها. لكن الحديث الموضوعي لا يغطي سوى بعضًا من الحياة الحقيقية.




فالـهو هي الشرنقة الأزلية، والـأنت
هي الفراشة الأزلية – وهذه
الحالات لا تتالى بتسلسل واضح، إنما هناك شقان متشابكان ومتداخلان.




***




في البدء كانت العلاقة.




فلنتأمل في خطاب الشعوب "البدائية"، تلك
التي كانت تمتلك مخزونًا ضئيلاً من
الأشياء، والتي قضت حياتها وسط حلقة ضيقة من الأفعال الحاضرة. كانت نواة
خطابها
كلمات تشبه الجمل ذات البنية السابقة للنحوية (فيما بعد، قطِّعت هذه الجمل
إربًا،
وولَّدت أشكالاً مختلفةً من الكلمات)، لكنها بقيت تشير بمعظمها إلى كلِّية
العلاقة.
نحن نقول "بعيدًا جدًّا"، أما الزولو فلديهم من أجل وصف هذه الحالة كلمة
تعني وفق
شكل جملنا، "كان هناك شخص يصرخ: أماه إني ضائع." أما أهل الفيجي فيحلِّقون
متجاوزين
حكمتنا التحليلية بواسطة كلمة من سبع مقاطع وتعني حرفيًا: "كانا يحملقان
الواحد في
الآخر، كلٌّ ينتظر من الآخر أن يتطوع ليقوم بما كان كلاهما يريد، ولكن
كلاهما لم
يكن بوسعه فعل هذا." في قلب هذا الوضع الكلِّي نجد أن الأشخاص، وكما
عبَّروا عن
أنفسهم عن طريق الأسماء والضمائر، ما زالوا جزءًا لا يتجزأ من فعل استغاثة
ما زال
غير مستقل. لأن المراد الأساسي، ليس نتاج هذا التحليل أو ذاك التفكير، إنما
الوحدة
الحقيقية الأصيلة لعلاقة حيَّة.




نحن نحيِّ الشخص حين نلتقيه، فنتمنى له
الخير ونؤكد له على إخلاصنا وندعو الله من
أجله. ولكن كم سطحية وبالية هي هذه الصيغ! أترانا لا نستشف، ولو بشكل خافت،
ووسط
ذلك "البَرَد المنهمر!" منحًا بدئيًا للسلطة؟ فلنقارن تحيتنا بتلك التحية
المتجددة
دائمًا والتي يستعملها الكفَّار، بتلك التحية الحسِّية المباشرة "أنا
أراك!" أو
بتلك الأمريكية المضحكة والبليغة "شمَّني!".




نستطيع الافتراض أن التوصيفات والأفكار،
إضافةً إلى صور الأشخاص والأشياء، مستخلصة
تحديدًا من تخيل حوادث وحالات عقلانية. فالإنطباعات الأولية والميول
العاطفية التي
توقظ روح "الإنسان في الطبيعة"، والناجمة عن حوادث = تجارب مع كائن نواجهه،
وعن
حالات = الحياة مع كائن نواجهه، هي ذات طابع علائقي. فالإنسان لا يرتبك حين
يشاهد
القمر وهو يراه يتجسَّد أمامه كل ليلة إلا حين يكون نائمًا أو ماشيًا
فيقترب القمر
منه ويسحره بحركته الصامتة أو يفتنه


بطالح أو
بنعومة ملمسه. فهو لا يحتفظ بهذا المشهد، أو
لنقل، بحركة ذلك المدار الضوئي أو هذا الكائن الشيطاني الذي ينتمي إليه بعض
الشيء،
إنما يحتفظ، قبل كل شيء، بالصورة المتحركة المثيرة الناجمة عن تأثير ما
تخلل جسمه.
من هذا تنبثق تدريجيًا صورة القمر الذي يحقق تأثيره على الشخص تحديدًا. ما
يعني
أنه، عندئذٍ فقط، تبدأ ذكرى ذلك المجهول الذي تلقَّاه شخصه ليلاً بالتأجج
فتتخذ شكل
فاعل يولد الانطباع. الأمر الذي يجعل من الممكن تحويل المجهول إلى شيء، أي
إلى
هو
أو إلى هي منبثقة من أنت التي لا يمكن تجربتها أصلاً،
وإنما
يمكن معاناتها فقط.




هذا الطابع العلائقي الأولي، والمستمر منذ
زمن طويل، لكل الظواهر الأساسية، يجعل من
السهولة بمكان تفهم بعض الطابع الروحي للحياة البدائية، ذلك الطابع الذي
غالبًا ما
نراقبه ونناقشه، حتى وإن لم نتمكن بعد من فهمه بشكل صحيح عن طريق دراستنا
الراهنة.
وأنا أعني هنا، تلك القوة الغامضة للفكرة التي نتابعها عبر التحولات
الكثيرة في
أشكال المعتقدات والمعارف (كلاهما واحد) للعديد من البشر في الطبيعة. تلك
التي
تعرَّف بالمانا أو الأوريندا التي تشقُّ دربًا للبراهمن بمعناه البدئي،
وبالتالي
تلك الم
قدرة[2]
وذ
لك
النزوع إلى الخ
ير[3]
ا
لذي
تتصف به البرديات السحرية والرسائل الرسولية. تلك التي تصنف كقوى خارقة
للطبيعة –
وهي أوصاف تستند إلى تصنيفاتنا ولا علاقة لها بتصنيفات الإنسان البدائي.
فحدود
عالمه كانت تعِّينها تجربته الحسِّية، التي بوسعنا القول إن زيارة الموتى
تنتمي
إليها بشكل "طبيعي" جدًا. فقبول ما ليس له صفات حسِّية كشيء موجود يبدو
بالنسبة له
كخلل على قدر كبير من السخف. وكلُّ المظاهر التي يعزو ""القوى الغامضة"
إليها هي
حوادث بسيطة ذات طابع علائقي. بمعنى أنها، جميعها، حوادث تزعجه فتؤثر على
جسده
وتترك عنده بالتالي انطباعًا مثيرًا. فالقمر والميت اللذان يزورانه ليلاً
لهما مثل
هذا الأثر من حيث الألم أو اللذة. كذلك أيضًا تؤثر عليه الشمس الحارقة
وعويل الوحش
والنظرة الخاطفة والملزمة للرئيس وأغاني الساحر التي تمده بالقوة من أجل
الصيد.
فالمانا هي بكل بساطة القوة الفعَّالة التي حولت القمر، المتواجد هناك في
السموات،
إلى أنت تحرِّك الدماء. تلك التي تغادر ذكراها المسار حين تنفصل
صورة الشيء
عن الصورة الكلِّية المثيرة؛ وذلك رغم أنها لا تبدو أبدًا، بحد ذاتها،
متعارضةً مع
فاعل أو مولِّد الأثر. هي تلك التي إن امتلكها الإنسان نفسه – ربما كحجر
سحري –
يمكن أن تصبح فاعلة في هذا المجال. فـ "صورة العالم" بالنسبة للإنسان
البدائي ليست
سحرية لأن القدرة السحرية للإنسان موجودة في قلبها إنما فقط لأن هذه الطاقة
هي بعض
خاص من تلك الطاقة العامة التي ينبع عنها كل فعلٍ فعَّال. وسبب تصوره
للعالم ليس
وليد تسلسل غير منقطع، إنما مجرد طاقة تتجدد باستمرار وتتجه نحو منتوجها؛
كحركة
بركانية غير مستمرة. فالمانا هي تجريد بدئي، أو لنقل ربما، إنها أكثر بدئية
من
الرقم، وإن لم تكن خارقةً أكثر منه. فالذاكرة ترتب، كما درِّبت على ذلك،
الحوادث
العلائقية الكبرى، والصدمات العاطفية العفوية. لكن الأهم، فيما يتعلق
بغريزة البقاء
والأكثر جدارة لأن تتفهمه الغريزة، هو "تلك المؤثرات" التي تبقى قسرية أكثر
من
سواها، ومن ثم تصبح مستقلة. أما أقلها أهمية وشيوعًا، فهي تلك الأنت
المتحولة
للتجارب، تلك التي تتراجع وتنعزل في الذاكرة، وتتبدل تدريجيًا إلى شيء ثم
تُستدرَج
ببطء لتتحول إلى فئات وشرائح. من هذه الثالثة من حيث المرتبة، والرهيبة
حينما يتم
عزلها، الأمر الذي يجعلها في بعض الأوقات أكثر شبحية من الموت ومن القمر،
وإن كانت
دائمًا أكثر وأكثر وضوحًا بما لا يقبل الشك، يبرز ذلك الآخر، ذلك الشريك
"الذي لا
يتغير" الذي هو الـ"أنا".




لا يبقى إدراك الـ"أنا" مرتبطًا
بالتأثير البدئي لغريزة البقاء بمقدار ما
ترتبط به باقي الغرائز. فالـ"أنا" ليست من يرغب في تعميم ذاته، إنما
هو
الجسد الذي يعرف تمامًا أنه ليس الـ"أنا". ولأنه ليس الأنا إنما
الجسم الذي
يرغب صنع الأشياء، لأنه تلك الأداة أو اللعبة التي ترغب في أن تصبح
"خالقًا"، فإن
"التفكير بفك
رة"[4]،
مهما كان شكله ساذجًا أو مهما كان شكل الموضوع المجرَّب طفوليًا لا يمكن أن
نجده في
الشكل البدئي للمعرفة. فالـ"أنا" تنبثق مكورةً حوله. والجسم يسعى
لأن يتعرف
ويتمايز في خصوصياته؛ والتمايز يبقى رغم ذلك مجرد تجاوز صرف، وبالتالي، ليس
بوسعه
امتلاك صفة الحالة التي تتضمنها الـ"أنا".




ولكن حينما تتجاوز علاقة الـأنا
ذاتها وتتخذ شكل وجود منفصل، فإنها تتحول
أيضًا، هشَّةً وضعيفةً بشكل غريب، إلى مجرد وظيفة علائقية؛ ووسط الحالة
الطبيعية
الفعلية لانفصال الجسد عن العالم المحيط به، نجدها توقظ تلك الحالة التي
تصبح فيها
الـأنا فعالة حقًا. عندئذٍ فقط يمكن للفعل الواعي للـأنا أن
يتحقق.
وهذا الفعل هو الشكل الأولي للكلمة الأساسية أنا–هو، ولتجربة علاقته
بالـأنا.
فالـأنا المتجاوِزة تعلن عن نفسها كحاملة رسالة، ويصبح العالم
المحيط بها
غاية تلك التصورات. وطبعًا، هذا يحصل بشكل "بدائي" وليس على شكل "نظرية
معرفية".
ولكننا حين ننطق بعبارة "أنا أرى الشجرة" وكأنها لم تعد تعبِّر عن العلاقة
بين
الإنسان–الأنا وبين الشجرة–الأنت، إنما من أجل التعبير عن إدراك بشري حسِّي
للشجرة
كشيء، نكون قد تجاوزنا ذلك الفاصل بين الشيء وبين الموضوع. ونطقنا بالكلمة
الأساسية
أنا–هو.




***




- أتراه ذلك الحزن من قضاء القدر الذي برز
منذ طفولة التاريخ؟




- إنه حقًّا كذلك وبالمقدار الذي يترافق
فيه انبثاق الحياة الواعية للإنسان مع
طفولة التاريخ. وإذا كانت الحياة الواعية تعني تحول الوجود الكوني إلى فعل
إنساني،
الأمر الذي يجعل الروح تبدو، عبر الزمن، وكأنها نتاج – لا بل نتاج ثانوي –
للطبيعة،
إلا أن الروح تبقى


مخلِّد
للطبيعة.




للتعارض بين كلمتين أساسيتين أسماء مختلفة
في أزمنة مختلفة وفي عوالم مختلفة؛ لكن
حقيقتها المجهولة تبقى متأصلة في الخليقة.




***




- لكنك تؤمن رغم هذا بوجود الجنَّة منذ
الأيام الأولى للإنسانية؟




- حتى وإن كانت الجحيم – لأن الزمان الذي
أرغب العودة إليه كان مليئًا حتمًا بالغضب
والخوف والمعاناة والعذاب – إلا أن الأمر لم يكن بأي شكل غير حقيقي.




فالتجربة العلائقية لإنسان الأزمنة الأولى
لم تكن أليفةً ولا سارة، إنما كانت
بالأحرى قوة أثرت على الكائن وعاشها فعلاً، ولم تكن اهتمامًا ظليليًا
بأرقام مجهولة
الهوية! مما سبق نكتشف أن هناك طريق يقود إلى الله، مما لحق أن هناك فقط
طريق إلى
العدم.




***




في السياق الزمني للكلمتين الأساسيتين يقدم
لنا الإنسان البدائي فقط نظرات خاطفة.
فحياته، حتى وإن كانت بالكامل سهلة المنال، بوسعها فقط أن تمثل استعارة
لتلك
الحياة. فنحن نحصل على معرفة أكمل من الطفل.




في هذه الحال يصبح واضحًا لنا كالبلَّور
كيف تنبثق الكلمات الأساسية من الواقع
الطبيعي، حيث تنبثق الكلمة الأساسية أنا–أنت من جمع طبيعي، وتنبثق
الكلمة
الأساسية أنا–هو من فصل طبيعي.




فحياة الطفل التي سبقت الولادة هي حياة جمع
طبيعي وتفاعل جسدي وتدفق من واحدٍ لآخر.
وأفق حياته، حين يخرج إلى حيز الوجود، يبدو منفردًا، وكأنه مرسوم وغير
مرسوم، في
قلب الحياة التي أعطيت له. وبالتالي لا يبق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ramzi.naili
شخصية أولاد بريش
شخصية أولاد بريش
ramzi.naili


عدد المساهمات : 254
نقاط : 6093
الســــــمعة : 23
تاريخ التسجيل : 18/02/2009
العمر : 36

أنا وأنت Empty
مُساهمةموضوع: رد: أنا وأنت   أنا وأنت I_icon_minitimeالثلاثاء مايو 25, 2010 3:56 pm

روحانيات [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] ... هي نظرة نقدية فلسفية اذاصح التعبير
في أنا الانسان و ارتباطاته بحاتيه
ارجو قراءته بتمعن ...
ولد بريش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ramzi.naili
شخصية أولاد بريش
شخصية أولاد بريش
ramzi.naili


عدد المساهمات : 254
نقاط : 6093
الســــــمعة : 23
تاريخ التسجيل : 18/02/2009
العمر : 36

أنا وأنت Empty
مُساهمةموضوع: رد: أنا وأنت   أنا وأنت I_icon_minitimeالسبت مايو 29, 2010 12:29 am

hah la roudoudddddddddddddddddddddd Question
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
aUboY
وسام المنتدى الشـــــرفي
وسام المنتدى الشـــــرفي
aUboY


عدد المساهمات : 1064
نقاط : 6763
الســــــمعة : 50
تاريخ التسجيل : 17/05/2010
العمر : 32
الموقع : www.ouledberriche.com

أنا وأنت Empty
مُساهمةموضوع: رد: أنا وأنت   أنا وأنت I_icon_minitimeالسبت مايو 29, 2010 1:25 pm

الشّيء الذي أعرفه هو أنا مع أعوذ بالله من كلمة أنا أيوب و أنت رمزي
أمّا عن آخر استنتجاتي من خلال حياتي اليومية عن هذا الموضوع هو أنّ الأنا لا يستطيع احاطتها المخلوق لأنّه بالدنو من اللّفظ الثّاني الذّي كتبته أي الذي يخصّ الاستطاعة [الانسان استطاعته مهما بلغت لها حدود] أخ رمزي و العلم للخالق
السّلام عليكم و رحمة الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ramzi.naili
شخصية أولاد بريش
شخصية أولاد بريش
ramzi.naili


عدد المساهمات : 254
نقاط : 6093
الســــــمعة : 23
تاريخ التسجيل : 18/02/2009
العمر : 36

أنا وأنت Empty
مُساهمةموضوع: رد: أنا وأنت   أنا وأنت I_icon_minitimeالثلاثاء يونيو 01, 2010 6:35 am

ya9oul el faylassouf //malbranech// el mouta2athir bi dikart : yastati3 al inssan an yara 3abra allah ... ay anna istita3at el inssan marbouta bistita3et el khalek fi jawanib 3adida
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عصفورة الزمن الماضي
عضو نشيط
عضو نشيط
عصفورة الزمن الماضي


عدد المساهمات : 369
نقاط : 5266
الســــــمعة : 20
تاريخ التسجيل : 22/02/2011
العمر : 33

أنا وأنت Empty
مُساهمةموضوع: رد: أنا وأنت   أنا وأنت I_icon_minitimeالأحد يوليو 24, 2011 10:55 am

merci-------------


Sad
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
أنا وأنت
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أولاد بـريــــــــش :: الأدب العربي :: أقلام المبدعين-
انتقل الى: