الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان، فينبغي للعبد أن يستشعر ذلك دائماً، حتى يسارع إلى التوبة، ويقلع عن المعاصي، ويسارع إلى فعل الطاعات، وهناك مقدمات وعلامات توحي بقرب الآخرة، أولها: بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثمرات ذكر الموت ومساوئ عدم ذكر الموت
أحمد الله رب العالمين حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا، ويكافئ مزيده، وصلاة وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين؛ سيدنا محمد، اللهم صل وسلم وبارك عليه صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. أما بعد: فهذه بمشيئة الله عز وجل هي الحلقة الأولى من سلسلة الحديث عن حلقات الدار الآخرة، وتأتي حلقات الدار الآخرة بعد إلحاح شديد من كثير من الإخوة والأخوات، وأنا أعتبر حلقات الدار الآخرة من الأشياء القريبة إلى قلبي كثيراً بعد تفسير كتاب الله عز وجل، وبعد الحديث النبوي الشريف عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. تأتي حلقات الدار الآخرة لتجمع للمؤمن خيري الدنيا والآخرة، وفي هذه الحلقات بركات كثيرة ونفحات طيبة أتت ثمارها على مدى ما قلناه في المرتين السابقتين، وهذه ثالث مرة نعيد فيها حلقات الدار الآخرة تقريباً، قلناها في سنة (1974م) أو (1976م)، وعدناها في سنة (1986م) أو (1987م)، وهذه إن شاء الله ثالث مرة، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يجعل ذلك في ميزان حسناتنا يوم القيامة. قال عطاء بن أبي رباح رضي الله عنه: ذكر الموت يعطيك أشياء ثلاثة: تعجيل التوبة، والرضا بالقليل، وعدم مشاحنة أهل الدنيا في دنياهم فيطمئن، أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28]. وعدم ذكر الموت يأتي بثلاثة أشياء: التسويف بالتوبة، وهذا هو الذي جعل الناس بعيدين عن التوبة، فما زال المرتشي يرتشي، وما زال النصاب ينصب، وما زال الجشع المحتكر يحتكر، وما زال المغتاب يغتاب، وما زال المرء ينظر إلى الحرام، وما زال الذي يمد يديه للحرام وما زال.. وما زال؛ لأن الموت غائب عن ذهنه وفكره وخياله. لكن لو وضع الموت نصب عينيه، كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الموت أقرب إلى أحدكم من شراك نعله) لعجل بالتوبة. كذلك عدم ذكر الموت يؤدي إلى عدم الرضا بما قسم الله، ومهما أعطي المرء فإنه كشارب البحر لا يزيده شربه منه إلا عطشاً، فمحب الدنيا لا يشبع. وكما ورد في الحديث الصحيح: (من أحب الدنيا وكره الآخرة التاط قلبه بأمور ثلاثة)يعني: لصق قلبه بثلاثة أمور. وكلنا يا إخوة من محبي الدنيا، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم من المحبين للآخرة، وإن شاء الله حلقات الدار الآخرة ستذكرك بالموت، وكلنا ندعي محبة الله، وكلنا ندعي محبة دخول الجنة، والحاجز الذي بينك وبين دخول الجنة هو الموت، فإذا كنت تحب ربنا وتحب دخول الجنة فتذكر الموت واستعد له؛ لأن الموت سيقربك من لقاء الله ومن لقاء الحبيب صلى الله عليه وسلم. وكما قيل: الناس نيام، فإذا ماتوا انتبهوا، وإذا ما انتبهوا ندموا، ولن ينفع الندم بعد العذاب. من يحب الدنيا يلتصق قلبه بثلاثة أشياء: أولاً: شغل لا يفرغ منه أبداً، ومشاغل الدنيا لا تنتهي، فإذا جلست مع أي واحد الآن فإنه لا يكلمك إلا في الشغل فقط، فالمهم عنده أن رمضان ولى وانقضى: رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاقِ إذاً: شغل لا يفرغ منه أبداً، أي: الشغل بالدنيا، والدنيا تأخذ الإنسان في دوامتها وتجعله دائماً مثل العجلة، أو مثل الثور الذي يدور بالساقية. الأمر الثاني: هم لا يزول عنه أبداً. فالدنيا كلها دار هموم، وأول سؤال ستسأله في القبر: أتريد أن تعود إلى دار الدنيا يا عبد الله؟! فيقول إن كان مؤمناً: ألدار الهموم والأحزان تريدان أن تعيداني؟ قدماني إلى ربي. تريدان أن ترجعاني إلى ظلم الزوجة، وإلى عقوق الأولاد، وإلى أذى الجار، أو إلى ظلم المدير، وإلى نصب العمال على بعض، وإلى سرقة المهمات بالجيش، هذه المهمات أو الأمانات عهدة عندك، فتجد من يريد أن يأخذ فتوى من الشيخ بأن السرقة حلال. كذلك الطالب الفاشل يريد فتوى في جواز الغش، نقول: جاء في الحديث: (من غشنا فليس منا). كذلك المدرس يريد أن يأخذ فتوى بأن الأموال التي يبتزها من الآباء والأمهات حلال. والطبيب الجشع الذي يأخذ في العملية خمسة آلاف أو ستة آلاف يريد أن يأخذ فتوى بأن هذه الأموال حلال. والمهندس النصاب الذي يضع أي خرسانة مغشوشة يريد أن يأخذ فتوى، فالكل يريد أن يأخذ الفتوى، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ [الأعراف:138] يعني: أرادوا من الكليم النبي أن يعطيهم فتوى بالشرك. إذاً: (من أحب الدنيا وكره الآخرة التاط قلبه بأمور ثلاثة: شغل لا يفرغ منه أبداً، وهم لا يزول عنه أبداً، وعدم رضا لا يزيله أبداً)يعيش في عدم الرضا دائماً، فالذي معه ألف يريد خمسة، والذي معه خمسة يريد عشرين، والذي معه عشرون يريد مائة، والذي معه مائة يريد مليوناً، والذي معه مليون يريد ثلاثين مليوناً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب فقط. قال الله تعالى: الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2]، فقدم الله عز وجل ذكر الموت على ذكر الحياة، وقد جاء في الأثر: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. إذاً: الموت يقظة، كما قال تعالى: فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق:22] يعني: رأيت الحقيقة المرة ورأيت الحق. ولذلك كثير من الصالحين بعد موتهم يأتون أولادهم الصالحين في الرؤيا ويقولون لهم: انتبهوا، الأمر صعب غير سهل، الأمر يريد توبة ويريد استقامة، لا تغركم الدنيا انتبهوا وأسرعوا وعجلوا بالتوبة، وأعيدوا الحقوق لأصحابها، هكذا ينادي موتانا علينا كل يوم، لكن نحن لا نسمع، يقولون: يا أهلنا يا أحبابنا يا من سكنتم ديارنا وأخذتم أموالنا، لا تغرنكم الحياة الدنيا كما غرتنا، واعلموا أنما الأموال لكم والحساب عليكم. كذلك القبور تنادينا أيضاً: يا من تسيرون علينا اعلموا أنكم عن قريب سوف تصلون إلينا. ومن فضل الله عز وجل عليك أن أرسل إليك قبل ملك الموت نذراً ورسلاً، أولهم سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم، قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين؛ وجعل السبابة بجانب الوسطى) يعني: هو والساعة مع بعض، لكنه جاء قبلها بقليل، فهو أول نذير بأمر الآخرة. وكذلك لما تنظر إلى المرآة ترى شعرات بيضاء في لحيتك، كذلك لما كانت صحتك جيدة وكنت تضرب بيدك في الحجر فتفلقه، والآن صرت مستنداً على واحد هذا نذير. كذلك لما تكون في حالة من الصحة ويأتي لك مرض هذا نذير، كذلك لما تقرأ القرآن عن مصارع السابقين وعن الحياة الدنيا: وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64] أي: الحياة الحقيقية في دار الآخرة لا في الدنيا، ونحن في الدنيا في مرحلة اختبار. ……
المراحل التي يمر بها الإنسان في الحياة الدنيا
الحياة الدنيا التي نعيش فيها هي مرحلة تسبقها مرحلتان وتتلوها مرحلتان، لكن المصيبة أننا غافلون عن المرحلة التي في النصف؛ لأن قبل المرحلة التي نحن فيها مرحلتين، وبعد المرحلة التي نحن فيها مرحلتين، فيبقى عندنا خمس مراحل: مرحلتان سابقتان للدنيا أولهما: عندما كنا أرواحاً في ظهور آبائنا، والله تعالى جمع هذه الأرواح كلها وأشهدهم على أنفسهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف:172] قالت الأرواح كلها: بلى يا ربنا أنت ربنا. فهذه شهادة في عالم الأرواح، وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف)، ويشرح ويبين هذا الحديث ما رواه الإمام الترمذي عن أبي هريرة : (لو أن مؤمناً دخل إلى مجلس فيه مائة منافق ليس بينهم إلا مؤمن واحد لجلس بجوار المؤمن وهو لا يعرفه)، مثلاً: لو أنك مسافر وفي جيبك قطعة معدنية أو سلاح، فتأتي وأنت داخل المطار وقبل صعود الطائرة يكشف عليك فتجد جهاز الإنذار يصفر عن بعد، والقلوب لها أيضاً استشعار عن بعد، ثم قال: (ولو أن منافقاً دخل إلى مجلس فيه مائة مؤمن لجلس بجوار المنافق وهو لا يعرفه) إذاً: الأرواح جنود مجندة، وأنت نفسك لما ينعم الله عليك بنعمة الاستقامة وجاءك واحد وكلمك عن الكرة وعن الدنيا وعن الأفلام والفيديو ستضيق منه، وتريد أن تنتهي الجلسة معه بسرعة، مع أنك قبل الاستقامة كنت تستريح لمثل هذا الكلام، فمن دلائل قبول الله توبتك أن تتحول حلاوة المعصية إلى مرارة، وتتحول مرارة الطاعة إلى حلاوة. اللهم حبب إلينا الطاعة يا رب، وزين الإيمان في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا يا مولانا من الراشدين يا رب العالمين. إذاً: فأول مرحلة كنا فيها: هي عالم الأرواح. المرحلة الثانية: ساعة التقاء ماء الرجل مع ماء المرأة وحصول الإخصاب، قال الله تعالى: وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ [الذاريات:21]. وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر يعني: أنت تظن نفسك شيئاً صغيراً وأنت فيك الكون كله، وكل ذرة فيك توحد الله رب العالمين، لكنك لا تشعر بذلك وتغفل عنه. فمثلاً: الطفل الصغير عندما ينزل من بطن أمه يؤذن أبوه في أذنه اليمنى، ويقيم في اليسرى كما أمرنا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، عند ذلك ترى الطفل قد مدّ السبابة موحداً لله وهو صغير، فالأذان يلفت انتباه الطفل، وكذلك عندما يكون عمر الطفل شهرين أو ثلاثة يبتدئ يبحث على مصدر الصوت بالتوحيد، وأي صوت آخر لا يشغل باله؛ لأنه مفطور على التوحيد، ولأن أباه تزوج أماً صالحة، وعندما كان يعاشرها كان يقول: اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فالشيطان يكون بعيداً عن المولود من أول يوم يطلع فيه الولد الصالح بن الصالحين، وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا [الكهف:82]. ولذلك ثبت علمياً أن من يتعاطى المخدرات أو الخمر أو المسكرات أو المفترات أو المنشطات سواء الأب أو الأم قبل المعاشرة الزوجية، أن الولد يأتي وعنده خبل عقلي، إن لم يظهر فيه وهو صغير يظهر فيه وهو كبير، وربنا حرم المسكرات والمفترات، وحرم كل ما يضر، وربنا سبحانه وتعالى أعطاك مادة موجودة في جسمك مشابهة تماماً للمورفين، وهذه المادة تجعلك تتحمل الألم أثناء الحمى أو الصداع أو وقت العملية أو حين يحصل في رجلك كسر ويقوم الدكتور بتجصيصها. فمن يتعاطى المخدرات أو يدخن ويدمن على التدخين فإن إفراز مادة المورفين هذه يتعطل، ولا تقوم بدورها في حماية الجسم، ويبدأ المدمن يحس بالألم إحساساً شديداً جداً. إذاً: فأنت لا تتدخل في إفساد ما خلقه الله رب العالمين، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الملك:14]، وقال سبحانه: هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ [لقمان:11]، وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [الانفطار:6-8]، ركبك تركيباً سوياً، ركبك وجعلك من عناصر الأرض المختلفة، وهي ستة عشر عنصراً أو سبعة عشر أو تسعة عشر عنصراً، وجسد ابن آدم يرجع إلى عناصر التربة التي جاء منها، كما قال الله عز وجل: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [المؤمنون:12]. وقد قام علماء التشريح وحللوا الجسد الإنساني فوجدوا فيه من الحديد ما يصنع منه قدر مسمار (50سم)، ووجدوا فيه من الدهون ما يصنع منه قدر أربع قطع صابون من الحجم المتوسط، ووجدوا فيه قليلاً من الفسفور ما يصنع منه قدر رأس ستين عود كبريت، ووجدوا في ابن آدم قليلاً من الكالسيوم، وعشرة جالونات من ماء، وهذا الكلام كان في مؤتمر الكيمياء العضوية في فيينا سنة (68م)، فأنت لو باعوك كلحم في السوق لا تساوي ثلاثين جنيهاً، أي: قيمه اثنين كيلو لحمة جاموس أو بقر، هذه قيمتك كجسد، لكن أنت كروح كما قال الله تعالى: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29]. قعد بعض الشباب مع بعض فقال ابن أبي جعفر المنصور : أنا ابن أمير المؤمنين، وقال الثاني: أنا ابن كبير الشرطة، وقال الثالث: وأنا ابن الوزير، وقال الرابع: وأنا رجل فقير، لكن أنا ابن الرجل الذي أمر الله الملائكة أن تسجد له، يعني: إذا كنت أنت ابن أمير المؤمنين، وأنت ابن الوزير فأنا ابن آدم. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـعلي بن أبي طالب : (يا أبا تراب) وإليه نعود، قال تعالى: مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى [طه:55]. فأنت أيها الإنسان في عالم الأجنة وعالم الظلمات لا تسمع ولا تأكل ولا تهضم، وإنما تأخذ دماً طازجاً جاهزاً من الأم، فأنت محاط بظلمات ثلاث: ظلمة المشيمة، وظلمة الرحم، وظلمة البطن. وبعد تسعة أشهر يأتي الأمر الإلهي بالاستعداد للهبوط، وبعد هبوطه وخروجه من بطن أمه تنتهي العلاقة بينه وبين أمه داخلياً. وأنت في بطن أمك لا تتنفس؛ لأن الرئتين مسدودتان، فعندما تقوم الممرضة أو القابلة بقطع الحبل السري يذهب الهواء مندفعاً إلى الرئتين، فإذا دخل الهواء الرئتين انتفخنا فيتألم الطفل ويبكي، ومن حوله يفرحون بولادته. وهذا الطفل لما يكبر قد يفتري وينصب ويكذب عليك، وقد يكون حاكماً ظالماً، أو طبيباً جشعاً أو غشاشاً في معاملته. ومن رحمة الله بالطفل أنه وضع له الرحمة في قلب الأم، سواء ولدته ولادة طبيعية أو قيصرية، فتجدها أول ما يبكي تقوم وتحمله وتسكته وتضمه إلى صدرها، فإذا أخذته جدته أو عمته أو خالته لا يسكت؛ لأن له تسعة شهور في بطن أمه وهو متعود عليها، فأول ما تحمله تعود النغمة الأساسية ويسكت الولد بأمر الله رب العالمين، رحمة بعدها رحمة. كذلك بعد الولادة يبتدئ اللبن يأتي، وكان قبل ذلك قد أوقفه الله سبحانه، فسبحان الذي أجراه، وهو معقم طبيعي لا يحتاج إلى تسخين، بخلاف اللبن الصناعي. ولبن الأم يتغير حسب نمو الطفل، فتركيب اللبن في الأسبوع الأول غير تركيبه في الأسبوع الثاني، وغير تركيبه في الشهر الثاني، وغير تركيبه بعد سنة؛ لكي يواكب النمو عند الطفل، فسبحان الله العظيم. أما الأب خلال الأسابيع الأولى من ولادة طفله، فإنه لا يلتفت إليه ولا يهتم به، ثم بعد ذلك تراه يحمله ويفرح به. والولد بعد هذا المجهود كله فإنه بعدما يكبر تراه يرفع صوته على أبيه وأمه ويشتمهما إلا من رحم الله. ……
مرحلة التكليف
إن مرحلة الدنيا هي مرحلة التكليف وحمل الأمانة، وهي أصعب المراحل، والله عز وجل لما أهبطنا إلى الدنيا من رحم الأم ونزلنا إلى سعتها وإلى نورها، بدأت مرحلة الطفولة وهذه ليس فيها حساب، والرسول قد أرشدك إلى أن تلاعب ابنك سبع سنين، أي: لا تنكد على الولد سبع سنين، بل لاعبه سبع سنين، لكن لا تدللـه حتى تفسد أخلاقه، وإنما تربيه التربية الحسنة، وتلاعبه بشيء من الحنان، وتحمل ابنك في حضنك. وقد اكتشف العلماء أن لحظة إرضاع الأم لابنها يخرج نوع من الإشعاع من قلب الأم يحس به الولد. أما الأولاد الذين يرضعون الحليب الصناعي نتيجة الفطام المبكر بسبب شغل الأم، فقد جاء في إحصائية في الاتحاد السوفيتي: أن الحضانات الجماعية التي يتربى فيها الأولاد بعيدين عن أمهاتهم، وبعيدين عن لبن الأم الطبيعي يكبرون وعندهم جفاء وعقوق، والولد الذي يرضع من أمه يصير باراً بأمه؛ ولذلك قال ربنا: وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [البقرة:233]، قال علماء اللغة: (يرضعن) هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه، أي: والوالدات يجب أن يرضعن أولادهن حولين كاملين، يعني: أن الله يأمر الوالدات بإرضاع الولد أو البنت سنتين إن لم يكن هناك مانع صحي. قال ربنا سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج:1-2]، والمرضعة تطلق على الأم لحظة الإرضاع؛ لأن أكبر قدر من الحنان والرحمة يكون موجوداً حال الإرضاع، ولذلك جاء في الحديث: (كل مصة يمصها الولد منها يكتب لها حسنة، وتحط عنها سيئة، وترفع بها عند الله درجة) فالله عز وجل أكرم الأم؛ بسبب اهتمامها بالطفل وإرضاعها له. وقد قام جماعة من العلماء الفرنسيين بتجربة في مزارع جماعية للوز، فوجدوا أن الوز الذي يخرج من البيض عن طريق آلات التفريخ الحديثة ليس عنده انتماء لأحد، وليس له قائد ولا رئيس، فجاءوا قبل فقس البيض بأيام بصوت موسيقي معين، فبعد ما فقس البيض وخرج الوز أول ما كانت هذه الموسيقى تضرب يجتمع الوز كله، ثم أتوا بأمهات حقيقيات من الوز وجعلوها ترقد على البيض، فنظروا في هذه المزرعة التي تحوي آلاف الأمهات بعد ما فقس البيض، وكل عشرين أو ثلاثين واحدة من الوز الجدد اللاتي من أم واحدة تجدها أول ما يأتي وقت المغرب تذهب عند أمها، فقال الفرنسيون: الحل الوحيد لمسألة التضخم في فرنسا أن تعود المرأة إلى البيت مرة أخرى، لكن هذا القول لم يوافق هوى المرأة المديرة والدكتورة والوزيرة وغيرهن. نعود إلى المرحلة الثالثة التي نحن فيها، فالذي يموت الآن قبل قيام الساعة ينتقل إلى القبر، والقبر إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار، لكن الذي مات في الجو أو احترقت به الطائرة، أو غرقت به السفينة فأكلته الأسماك، أو مات مفقوداً محترقاً في سيارة أو في أي شيء، فيا ترى أين قبره؟ وكيف يكون حسابه؟ ثم بعد ذلك هل يشعر الميت بنا؟ وهل هو في حاجة إلى ذكرى سنوية أو أربعينية أو غير ذلك؟ ثم بعد ذلك هل كل الناس يموتون بطريقة واحدة؟ كل سنجيب عنه. قال بعض الصالحين عن بعضهم ممن كتب الله لهم سوء الخاتمة: كان هناك شخص يحتضر فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول: ثلاثة ونصف، أربعة ونصف، خمسة ونصف. ورجل آخر كان مغرماً بلعب الطاولة، فقيل له: قل: لا إله إلا الله، فكان يقول: (كش ملك)، وهي أداة من أدوات الشطرنج والعياذ بالله. اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأمتنا على خير حال يا رب العالمين، ونعوذ بك يا رب من سوء الخاتمة، وأحسن لنا خاتمتنا وعاقبتنا في الأمور كلها يا رب العالمين.
مقدمة عن الموت والنهي عن تمنيه لحصول الضر
إن الكارثة أن يموت الإنسان فجأة، فلو حصلت مشاكل وابتلاءات للعبد فقد نهي أن يدعو على نفسه بالموت، ولكن يدعو بما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلاً فليقل: اللهم أحيني إن كانت الحياة خيراً لي، وأمتني إن كان الموت خيراً لي، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر)، هكذا يدعو الإنسان؛ لأن ربنا إذا أحب شخصاً أطال عمره وأحسن له عمله، وإذا أبغض شخصاً أطال عمره وأساء عمله. وربنا يحب ثلاثة وحبه لثلاثة أشد، ويكره ثلاثة وكرهه لثلاثة أشد: يحب التوابين أو الطائعين، ومحبته للشاب الطائع أشد، ويحب الصابرين، وحبه للفقير الصابر أشد، ويحب المتصدقين، وحبه للغني المتصدق أشد، ويكره العاصين، وكرهه للشيخ العاصي أشد، ويكره المتكبرين، وكرهه للفقير المتكبر أشد. إذاً: العبد لا يتمنى الموت لضر قد نزل به، ولكن إن كان ولا بد فليدع الله عز وجل أن يحييه إن كانت الحياة خيراً له، أو يميته إن كان الموت خيراً له؛ لأن العلماء يقولون: إن الذي يستعجل الموت واحد من ثلاثة: إما رجل جاهل بما بعد الموت، أي: ليس عارفاً بالأهوال التي ستقابله. والحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم كان مرة جالساً مع الصحابة فسمعوا وجبة شديدة، وقلوب الصحابة لم تكن مثل قلوبنا معتمة كانت مضيئة منيرة بكلام الله، منشرحة لذكر الله عز وجل، فلما سمعوا الوجبة خافوا وقالوا: (ما هذا يا رسول الله؟ قال: أو سمعتم؟ قالوا: نعم يا رسول الله سمعنا، قال: هذا حجر ألقي في جهنم منذ سبعين سنة، وصل قعرها الآن)، انظر كيف كانت قلوب الصحابة حين سمعت وجبة الحجر في قعر جهنم. وكان سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم يقول: (لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ولما هنأت لكم حياة) يعني: لو نعلم الذي كان يعلمه الحبيب صلى الله عليه وسلم لما هنأت لنا الحياة؛ لأن الحبيب صلى الله عليه وسلم لما كان يسير في الأرض كانت الشجر تسلم عليه، والحصى تسلم عليه، وكان يسمع تسبيح الماء، وتسبيح الطيور، وتسبيح الرمال، وتسبيح الكائنات من حوله، فكان يعيش مع الله في كل لحظة وفي كل حين. ونحن بسبب أننا لا نعلم ما بعد الموت تجد الواحد منا عندما يغضب من امرأته أو من أولاده يدعو ويقول: اللهم لا تردني إليهم. نقول: لو أمنت الملائكة على دعائك لاستجيب لك، وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولًا [الإسراء:11]، فينبغي للمسلم ألا يدعو على نفسه بالموت؛ لأن المستعجل بالموت إما جاهل لا يدري ما بعد الموت، وإما رجل غير راضٍ بما قضى الله في الدنيا، فهو يائس قانط متضايق، وإما رجل اشتاق لما عند الله عز وجل. يعني: عندما يمرض الإنسان يصير ذليلاً مستكيناً ضعيفاً خاضعاً بين يدي الله سبحانه، لكن كم من مريض وسقيم بقي دهراً: فكم من سليم مات من غير علة وكم من سقيم عاش حيناً من الدهر وكم من عروس زينوها لزوجها وقد قبضت أرواحهم ليلة القدر وكم من صغار يرتجى طول عمرهم وقد أدخلت أجسادهم ظلمة القبر إذاً: الموت لا يختص بعمر معين، وإنما يختص بالوقت الذي يريده الله. ……
آداب زيارة الإخوان
هناك آداب لزيارة السليم: أولاً: اطرق الباب برفق، وأبعد عن الباب، وأجعل ظهري للباب؛ لأن سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم كان يدق الباب ويقف عن يمينه، لكن بعض الناس يطرق الباب بشدة ويضع أذنه على الباب، فهذا الحبيب صلى الله عليه وسلم (اطلع عليه أعرابي من ثقب الباب، فقام إليه ليفقأ عينه بعود في يده، فما قام إلا وقد مضى، فقال: أما إنك لو ثبت لفقأت عينك). إذاً: البيوت لها عورات وحرمات فلا تدخل حتى تستأذن؛ لأجل أن تعطي فرصة لأهل البيت، فالعريانة تتغطى، والقاعدة تقوم وتدخل غرفتها، والرجل يستر نفسه، فالبيوت لها حرمات، وصاحب البيت له الحق أن يقول لك بعد أن يفتح الباب: أنا لا أستطيع أن أتحدث معك الآن، ولكن للأسف الشديد لو عملها معك، لقلت: والله ما أنا بداخل بيته إلى أن أموت مع أن الإسلام أعطى صاحب البيت هذا الحق، قال تعالى: وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ [النور:28]، كذلك لو أن أهل البيت قالوا لك: إن صاحب البيت غير موجود فينبغي أن تصدق أهل البيت، وإن كانوا كاذبين فربنا سيحاسبهم. إذاً: إذا استأذنت فاطرق الباب ثلاثاً وأعط ظهرك للباب، وإذا كان صاحب البيت غير موجود فلا تدخل ولا تنتظر، حتى ولو كانت المرأة ابنة عمه، فلا ابن عمها ولا أخو زوجها ولا زوج أختها يصح أن يدخل عليها وصاحب البيت غير موجود، هذا قانون الإسلام، الإسلام يعطينا إطاراً للحياة الطيبة ويحمي الحرمات، فأولادك الذين في البيت أعطاهم الله ثلاثة مواعيد، لما يريد الولد أن يدخل عليك غرفة نومك فينبغي عليه أن يدق عليك من قبل صلاة الفجر فلا يفتح الباب ويدخل، كذلك في الظهيرة وقت القيلولة، ومن بعد صلاة العشاء، فمن حقك ألا تفتح بابك بعد الساعة الثامنة والنصف مساء، ولله مخلوقات تسير ليلاً فأقلوا السير بالليل، ومع ذلك تجد المرأة في الليل الساعة واحدة تمشي لوحدها، من أين يا أختي؟ قالت: أنا كنت عند أختي في الله، وأختك هذه ما تزار في النهار؟ أين زوجك؟ قالت: مسافر ربنا يوصله بالسلامة سبحان الله، يا أختي إن خروجك بعد المغرب خطأ إلا للضرورة القصوى، كحضور درس العلم بعد المغرب؛ لكن ينبغي للنساء أن يأتين مع أزواجهن أو مع محارمهن، أو مع صحبة ورفقة آمنة من الأخوات، ويرجعن مبكرات. إذاً: الإسلام أمرك أن تطرق الباب ثلاثاً ثم لا تدخل إلا بعد أن تستأذن، والضيف أسير في بيت صاحب البيت، فلا يتصرف إلا بإذن صاحب البيت، فلو كنت شخص آخر فاحتملت وصرت جنباً فلا تقل لصاحب البيت: أنا أريد أن أغتسل، بل تتوضأ وتتيمم وتصلي مع صاحب البيت؛ حتى لا تساور صاحب البيت الشكوك والأوهام. ……
آداب زيارة المريض وثوابها
هناك آداب لزيارة المريض وعيادته، وتجد أن أغلب زياراتنا فيها غيبة ونميمة ونقل لأسرار البيوت، وكلام النساء مع بعض، والرجال مع بعض، وهذه من الأمور المحرمة، فأيما رجل حدث أصدقاءه بما يحدث بينه وبين زوجته، أو العكس: الزوجة تكلم صديقاتها بما يحدث بينها وبين زوجها، فكأنما شيطان لقي شيطانة على قارعة الطريق، والرسول صلى الله عليه وسلم نهى المرأة المسلمة أن تنعت صاحبتها لزوجها، يعني: تذهب المرأة وتقول لزوجها: هذه فلانة شعرها ناعم وجميل، فهذا حرام حرام حرام. فإذا مرض المسلم صار قريباً من الله؛ لأن المرض يرقق القلب ويجعله قريباً من الله، وأما العبد المفتري العاصي الصحيح القوي فتراه يتكبر، لكن انظر إليه عندما يصير كبيراً في السن ويمشي على عكاز فتجده كثير الذكر لله متواضعاً متخلقاً مع الناس، وكان من ثلاثين سنة يشتم هذا ويضرب هذا ويسجن هذا ويؤذي هذا! نعود إلى موضوعنا: إذا زرتم المريض فنفسوا عنه، وذلك بأن تقول له: إن شاء الله تنجح العملية وتشفى سريعاً وترجع لأولادك، وهذا لا يرد من قضاء الله شيئاً، ولكنه يطيب نفس المريض، فلو أن طبيباً مسلماً دخل على مريض ورأى أن حالته ميئوس منها، وأهل المريض ينظرون إلى هذا الطبيب ماذا يقول، فقال الطبيب المسلم وهو مبتسم: إن شاء الله المريض في خير، نحن مجرد وسيلة وسبب، والشافي المعافي هو الله سبحانه وتعالى، ويطيب نفس المريض بكلمتين طيبتين، لكن لو أن الطبيب يريد أن يعظم الأمر ويضخمه لأتى بمصائب الدنيا كلها، وقد ذكرت لكم في حلقات الدار الآخرة أن ضابطاً قال لصحابه: ما بك؟ قال له: يحصل لي ضيق في صدري حتى ما أقدر أن آخذ نفسي، فقال له صاحبه: هذا نفس المرض الذي مات بسببه أبي في الشهر الماضي، سبحان الله! فمثل هذا يعطي اكتئاباً لصاحبه. إذاً: إذا زرتم المريض فنفسوا عنه مصيبته، فأنت عندما تذهب إلى المريض تقعد عنده دقيقة أو دقيقتين أو ثلاث دقائق وخمس دقائق فقط؛ بخلاف السليم فإنه حين يزار تطول الجلسة معه ولا حرج في ذلك، أما المريض فلا، وإنما تبقى عنده دقيقتين أو ثلاثاً أو خمس دقائق تدعو فيها للمريض بالشفاء، وترقيه الرقية الشرعية وتخرج. وأما ثواب الزيارة فقد ورد فيها عدة أحاديث منها: (من زار مريضاً فاضت الرحمة من مفرق شعره إلى أخمص قدميه، وصلى عليه سبعون ألف ملك حتى يعود) ومن زار المريض وجد الله عنده، ودعاء المريض مستجاب، والدعاء عند المريض مستجاب، وربنا من رحمته فإنه يسمع الملائكة أنين المريض، فإذا قال: آه آه سمعوه يقول: الله الله، فكتبوا ذلك، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى. والمريض الذي كان مواظباً على حضور دروس العلم وصلاة الجماعة فإنه يكتب له كل ذلك؛ لأن الذي حبسه هو المرض، وإذا شفاه الله خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه؛ ولذلك كان الصحابة يحبون المرض، قال سيدنا أبو ذر : أحب الجوع، وأحب المرض، وأحب الموت، إذا جعت رق قلبي، وإذا مرضت خف ذنبي، وإذا مت لقيت ربي. هكذا حال العبد الصالح. أما الرقية الشرعية فيحرم أن تعلق آية الكرسي أو آية معينة في رقبتك، أو الزوجة؛ لأنه جاء في الحديث: (من علق تميمة فلا أتم الله له، ومن علق ودعة فلا ودع الله له)، والتميمة والودعة من الشرك. كذلك تعليق خرزة زرقاء مكتوب عليها آيات؛ من أجل دفع الحسد، كل هذا حرام. وكذلك جعل المصحف تحت رأس الولد لا يجوز، بل يحرم أن نضع فوق المصحف أي شيء أبداً؛ لأن المصحف يعلو ولا يعلى عليه، ولا تضع في المصحف ورقة مكتوب فيها، وإنما تضع فيه ورقة بيضاء وليس هناك حرج؛ لكي تعلم أين وصلت في القراءة، أو تضع خيطاً نظيفاً. أيضاً لا تكتب اسمك على المصحف؛ لأن اسمك لو كتبته عليه لصار فوق اسم الله سبحانه وتعالى، فتكون كمن اتخذ المصحف وراءه ظهرياً، أي: كأنك ألقيت كتاب الله خلف ظهرك. كذلك عندما تضع المصحف معك في السيارة ولا تقرأ فيه أبداً، وإنما وضعته حرزاً للسيارة فهذا لا يجوز؛ لأن المصحف للقراءة والعمل. وكذلك بعض الناس يضعون في حجر الأساس سواء لمصنع أو شركة أو محل أو مبنى أو دار أو سينما يضعون من هذا المصحف، وهذا لا يجوز، ولو كان بيدي الأمر لقطعت يده، كيف يضع المصحف وسط طوب وأسمنت والناس تمشي من فوقه! وبعضهم يضعون في عتبة البيت ووسط الخرسانة مصاحف، هذا استهزأ بكتاب الله! والمصحف يعلو ولا يعلى عليه. إذاً: نزور المريض وندعو له بالشفاء، ولا نطيل الجلوس عنده؛ حتى نخفف عنه. وهناك أدعية تقال عند المريض، منها: أن تضع السبابة في فمك ثم تضعها على الأرض ثم تضعها على جسد المريض الذي فيه الوجع، وترقيه، والرجل يرقي الرجل، والمرأة ترقي المرأة، ويجوز للرجل أن يرقي زوجته وابنته وعمته وخالته وجدته وغيرهن من محارمه، وكذلك يجوز للمرأة أن ترقي أختها وبنت أختها وابن أختها وابن أخيها وأخاها وعمها وخالها وجدها؛ لأن هؤلاء محارم لها، لكن المرأة لا ترقي أخا زوجها؛ لأنه أجنبي عنها. إذاً: تضع السبابة على فمك وعلى الأرض وعلى الجزء المريض وتقول أربع كلمات: باسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يشفى سقيمنا، بإذن ربنا. أو تدعو للمريض وتقول: اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً. أو تقول: كما أن رحمتك في السماء فأنزل رحمتك إلى الأرض، أنزل على هذا المريض رحمة من رحمتك، وشفاء من شفائك. جزاكم الله خيراً، وبارك الله فيكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته