في رواية زوربا ل****وس كازنتزاكي يلاحظ الكاتب صديق زوربا أن إبهام يده اليسرى مقطوع و حين
يسأله كيف فقد إصبعه يقول زوربا إنه في إحدى المرات كان يعمل في صناعة الفخار و قد أحب هذا العمل حتى الجنون فقد كان يأخذ حفنة من الطين و يقرر ما يريد و يقول سأصنع جرة سأصنع صحنا ً سأصنع قنديلا ً و ما عليه سوى أن يدير الدولاب و يحصل على ما يريد لكن إبهام يده كان يزعجه و يقف في طريق عمله فأمسك بفأس صغيرة و قطعه ...
قطع زوربا جزءا ً من جسده لأجل حالة خارقة أرادها أن تكون كاملة رغم أنه يعرف أنه لن يمضي عمره في صناعة الفخار فقد أخلص للحظة الراهنة و أعطاها كل ما يليق بها لأن هذه اللحظة هي اليقين الوحيد الذي يملكه و على حد تعبير زوربا :
لقد تخلصت من التفكير بما حدث البارحة و لم أعد أفكر بما سيحدث غدا ً أن ما يجري اليوم و في هذه اللحظة بالذات هو ما أفكر به : ماذا تفعل الآن يا زوربا ? تعمل ? إذن اعمل بجد , تنام ?إذن نم جيدا ً , تعانق امرأة ? إذن عانقها بحرية و انس َ كل شيء آخر فالعالم لا يوجد فيه إلا هي و أنت ...
سواء كان زوربا رجلا ً من لحم و دم عبر في حياة هذا الكاتب فعلا أم كان مجرد شخصية من ورق فالأكيد هو أن كل واحد منا يملك في أعماقه زوربا مفعماً بالجنون و الرغبات و المستحيلات زوربا أمّي بدائي يرقص بجموح و يأكل بشراهة و يضحك و يحب و يغني و لا يخاف ويعيش معتمدا ً على الحتمية القلبية التي تعطيه إياها روح بريئة لم تتعلم بعد الحذر و لا القلق روح مازالت تملك الدهشة و تتساءل ما ذا تعني الشجرة و البحر و الصخرة و الطير و يمارس بنهم طقوس الغضب و الحزن و الضحك و الجموح و الخجل و النسيان و الحب الحقيقي الذي يعرينا من وقارنا و حذرنا و حساباتنا الدقيقة الحب الذي يمكننا من أن نكون نحن بكامل غاباتنا و نملك تلك الروح التي تعتقد أن بإمكان إسفنجة أن تمحي كل الذنوب حين نعترف بها !!
كم من مرة لمحنا هذا الزوربا في أصابعنا التي تطرق على طاولة ما و نحن نستمع لأغنية راقصة ندعوها لاحقا ً بالماجنة و التافهة كي نسجل موقفا ً بأننا مثقفون و مترفعون عن هكذا تفاهات خالية من المعنى ....
كم مرة رغبنا بالجلوس على الرصيف فمنعنا وقارنا و هيبتنا و مظهرنا الاجتماعي أو رغبنا بالجري تحت المطر فخفنا أن نصاب بالزكام و نضطر لملازمة الفراش و بالتالي الانقطاع عن أعمالنا المهمة جدا ً ...
كم هو محزن أننا في الظل نحاول أن نطلق هذا الزوربا في ساحات معتمة و ضيقة
و نطلب منه أن يرقص و يعزف السانتوري و نصفق له لكن الذي يخرج إلى ساحاتنا الراقصة ليس زوربا إنه مهرج على مقاس جبننا و أقنعتنا و زيفنا
زوربا لا يرقص إلا في العراء و هو حافي القدمين و عاري الصدر لا يعزف إلا عندما يريد هو و عندما يكون عاشقا ً أو حزينا ً زوربا ليس زير نساء زوربا أحب و بصدق و قبّل قدمي كل امرأة أحبها و بكى لأجلها زوربا ليس رخيصا ً و من يعتقد بأنه يعيش اللحظة و لا يفكّر بما يفعل أو من قد يؤذي و هو يستمتع بلحظته و يقتنص الفرص كي يكون الأكثر سعادة و الأقل خسائرا ً و يسعى للمتع العابرة و اللحظات العابرة ويسمي نفسه زوربا فهو مضحك جدا ً جدا ً .... لأنه مجرد كائن يعرف من أين تؤكل الكتف ..ويوما ً ما سيفقد كل أسنانه على كتف قاسية اللحم و ربما عندها يتوقف عن التبجح بأنه زوربا عصره ....