ISLEM وسام المنتدى الشـــــرفي
عدد المساهمات : 1450 نقاط : 7888 الســــــمعة : 50 تاريخ التسجيل : 11/05/2010 العمر : 30 الموقع : https://ouledberriche.ahlamontada.net
| موضوع: دارنا الدمشقية:نزار قباني السبت يونيو 26, 2010 2:46 pm | |
| بسم الله الرحمان الرحيم
ساقدم لكم اليوم كاول موضوع لي في هذا المنتدى احدى الاعمال النثرية القلائل للشاعر الكبير نزار قباني,شاعر المرأة الاول فيها يتحدث عن طفولته في منزلهم في دمشق وعن حنينه لهذه المدينة الجميلة
دارنا الدمشقية
لا بد من العودة مرةً أخرى إلى الحديث عن دار (مئذنة الشحم) لأنها المفتاح إلى شعري, و المدخل الصحيح إليه. و بغير الحديث عن هذه الدار تبقى الصورة غير مكتملة, و منتزعة من إطارها. هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة. إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ,و لكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر ..و إنما أظلم دارنا. و الذين سكنوا دمشق, و تغلغلوا في حاراتها و زواريبها الضيقة, يعرفون كيف تفتح لهم الجنة ذراعيها من حيث لا ينتظرون... بوابة صغيرة من الخشب تنفتح. و يبدأ الإسراء على الأخضر, و الأحمر, و الليلكي, و تبدء سمفونية الضوء و الظل و الرخام. شجرة النارنج تحتضن ثمارها, و الدالية حامل, و الياسمينة ولدت ألف قمر أبيض و علقتهم على قضبان النوافذ..و أسراب السنونو لا تصطاف إلا عندنا.. أسود الرخام حول البركة الوسطى تملأ فمها بالماء.. و تنفخه.. و تستمر اللعبة المائية ليلاً و نهاراً..لا النوافير تتعب.. و لا ماء دمشق ينتهي.. الورد البلدي سجاد أحمر ممدود تحت أقدامك.. و الليلكة تمشط شعرها البنفسجي, و الشمشير, و الخبيزة, و الشاب الظريف,و المنثور, و الريحان, و الأضاليا.. و ألوف النباتات الدمشقية التي أتذكر ألوانها و لا أتذكر أسمائها.. لا تزال تتسلق على أصابعي كلما أرت أن أكتب.. القطط الشامية النظيفة الممتلئة صحةً و نضارة تصعد إلى مملكة الشمس لتمارس غزلها و رومانتيكيتها بحرية مطلقة, و حين تعود بعد هجر الحبيب و معها قطيع من صغارها ستجد من يستقبلها و يطعمها و يكفكف دموعها.. الأدراج الرخامية تصعد.. و تصعد..على كيفها..و الحمائم تهاجر و ترجع على كيفها.. لا أحد يسألها ماذا تفعل؟ و السمك الأحمر يسبح على كيفه.. و لا أحد يسأله إلى أين؟ و عشرون صحيفة فثل في صحن الدار هي كل ثروة أمي. كل زر فلٍ عندها يسلوي صبياً من أولادها.. لذاك كلما غافلناها و سرقنا ولداً من أولادها..بكت..و شكتنا إلى الله.. *** ضمن نطاق هذا الحزام الأخضر.. و لدت, و حبون, و نطقت كلماتي الأولى. كان إصطدامي بالجمال قدراً يومياً. كنت إذا تعثرت أتعثر بجناح حمامة.. و إذا سقطت أسقط على حضن وردة.. هذا البيت الدمشقي الجميل استحوذ على كل مشاعري و أفقدني شهية الخروج إلى الزقاق.. كما يفعل الصبيات في كل الحارات.. و من هنا نشأ عندي هذا الحس (البيتوتي) الذي رافقني في كل مراحل حياتي. إنني أشعر حتى اليوم بنوع من الإكتفاء الذاتي, يجعل التسكع على أرصفة الشوارع, و اصطياد الذباب في المقاهي المكتظة بالرجال, عملاً ترفضه طبيعتي. و إذا كان نصف أدباء العالم قد تخرج من أكادمية المقاهي, فإنني لم أكن من متخرجيها. لقد كنت أؤمن أن العمل الأدبي عمل من أعمال العبادة, له طقوسه و مراسمه و طهارته, و كان من الصعب علي أن أفهم كيف يمكن أن يخرج الأدب الجاد من نرابيش النراجيل, و طقطقة أحجار النرد.. *** طفولتي قضيتها تحت (مظلة الفي و الرطوبة) التي هي بيتنا العتيق في (مئذنة الشحم). كان هذا البيت هو نهاية حدود العالم عندي, كان الصديق, و الواحة, و المشتى, و المصيف.. أستطيع الآن, أن أغمض عيني و أعد مسامير أبوابه, و أستعيد آيات القرآن المحفورة على خشب قاعاته. أستطيع الآن أن أعد بلاطاته واحدةً..واحدة.. و أسماك بركته واحدةً..واحدة.. و سلالمه الرخامية درجةً..درجة.. أستطيع أن أغمض عيني, و أستعيد, بعد ثلا ثيين سنة مجلس أبي في صحن الدار, و أمامه فنجان قهوته, و منقله, و علبة تبغه, و جريدته.. و على صفحات الجريدة تساقط كل خمس دقائق زهرة ياسمين بيضاء.. كأنها رسالة حب قادمة من السماء.. على السجادة الفارسية الممدودة على بلاط الدار ذاكرت دروسي, و كتبت فروضي, و حفظت قصائد عمر بن كلثوم, و زهير, و النابغة الذبياني, و طرفة بن العبد.. هذا البيت-المظلة ترك بصماته واضحة على شعري. تماماً كما تركت غرناطة و قرطبة و إشبيليا بصماتها على الشعر الأندلسي. القصيدة العربية عندما وصلت إلى إسبانيا كانت مغطاةً بقشرة كثيفة من الغبار الصحراوي.. و حين دخلت منطقة الماء و البرودة في جبال (سييرا نيفادا) و شواطئ نهر الوادي الكبير.. و تغلغلت في بساتين الزيتون و كروم العنب في سهول قرطبة, خلعت ملابسها و ألقت نفسها في الماء.. و من هذا الإصطدام التاريخي بين الظمأ و الري..ولد الشعر الأندلسي.. هذا هو تفسيري الوحيد لهذا الإنقلاب الجذري في القصيدة العربية حين سافرت إلى إسبانيا في القرن السابع. إنها بكل بساطة دخلت إلى قاعة مكيفة الهواء.. و الموشحات الأندلسية ليست سوى (قصائد مكيفة الهواء).. و كما حدث للقصيدة العربية في إسبانيا حدث لي, امتلأت طفولتي رطوبة, و امتلأت دفاتري رطوبة, و امتلأت أبجديتي رطوبة.. هذه اللغة الشامية التي تتغلغل في مفاصل كلماتي, تعلمتها في البيت-المظلة الذي حدثتكم عنه.. و لقد سافرت كثيراً بعد ذلك, و ابتعدت عن دمشق موظفاً في السلك الديبلوماسي نحو عشرين عاماً و تعلمت لغاتً كثيرة أخرى, إلا أن أبجديتي الدمشقية ظلت متمسكة بأصابعي و حنجرتي, و ثيابي. و ظللت ذلك الطفل الذي يحمل في حقيبته كل ما في أحواض دمشق, من نعناعٍ, و فل, و ورد بلدي.. إلى كل فنادق العالم التي دخلتها..حملت معي دمشق, و نمت معها على سريرٍ واحد. | |
|
djaber92 عـضو مـجتهد
عدد المساهمات : 456 نقاط : 5820 الســــــمعة : 42 تاريخ التسجيل : 22/06/2010 العمر : 32
| موضوع: رد: دارنا الدمشقية:نزار قباني السبت يونيو 26, 2010 4:21 pm | |
| موضوع رائع أخ islem وكما يقول نزار قباني الرجوع إلى الأصل فضيلة دمت في خدمة المنتدى وشكرا | |
|
ISLEM وسام المنتدى الشـــــرفي
عدد المساهمات : 1450 نقاط : 7888 الســــــمعة : 50 تاريخ التسجيل : 11/05/2010 العمر : 30 الموقع : https://ouledberriche.ahlamontada.net
| موضوع: رد: دارنا الدمشقية:نزار قباني الأحد يونيو 27, 2010 1:06 am | |
| merciiiiiiiiiiiiiiiiii khoya djaber | |
|
Admin Admin
عدد المساهمات : 565 نقاط : 6984 الســــــمعة : 19 تاريخ التسجيل : 13/02/2009 العمر : 50 الموقع : https://ouledberriche.ahlamontada.net
| موضوع: رد: دارنا الدمشقية:نزار قباني الأحد يونيو 27, 2010 2:55 am | |
| ما أجمــــل هذه القطعة النثرية، لقد أدخلنا نزار قباني إلى بيت طفولته ، من قوة وصفه و جمال كلمته.. شكرا | |
|
ISLEM وسام المنتدى الشـــــرفي
عدد المساهمات : 1450 نقاط : 7888 الســــــمعة : 50 تاريخ التسجيل : 11/05/2010 العمر : 30 الموقع : https://ouledberriche.ahlamontada.net
| موضوع: رد: دارنا الدمشقية:نزار قباني الأحد يونيو 27, 2010 3:42 am | |
| عفواااااااااااااااااااااااااا | |
|
aUboY وسام المنتدى الشـــــرفي
عدد المساهمات : 1064 نقاط : 6952 الســــــمعة : 50 تاريخ التسجيل : 17/05/2010 العمر : 32 الموقع : www.ouledberriche.com
| موضوع: رد: دارنا الدمشقية:نزار قباني الإثنين يونيو 28, 2010 3:51 am | |
| | |
|